أثناء مرحلة التحضير لدراستي العليا قابلت نوعين من الطلاب أود الحديث عنهم. النوع الأول حريص على قراءة كتب (كيف تكون متحدثا بارعا) و (كيف تلقي محاضرتك الأولى) و (كيف تسحر جمهورك) وهلم جرا. أما النوع الآخر فليس لهم إهتمامات بكسب جمهورهم بقدر ماهو اهتمام بإنهاء الواجب و تقديم المحاضرة أو العرض التقديمي لهم وكفى. وسبب هذا الهم هو قناعتهم باستحالة تطورهم في مجال العروض التقديمية لأنهم غير مهتمين بإجادة مهارة الإلقاء، كما وأنهم غير اجتماعيين أو كما يحلو للبعض بأن يقسوا عليهم ويصفهم بالانطوائيين.
لم أكن أعلم – حتى وقت قريب – عن التعريفات العلمية الأخرى للأفراد الاجتماعيين مقابل الانطوائيين بل ما صدمني هو انتمائي للفئة التي لم أعتقد يوما أنني منهم!
لعلي أضرب مثالا مررت به – في مرحلة دراسة اللغة- قد يسهل الموضوع وهو عن معلمي للغة الإنجليزية في جامعة جورج تاون السيد أندرو. كنت اراه منطلقا في التدريس، مخلصا، لطيفا الا أنه غريب الأطوار أحيانا خصوصا حينما يدخل الفصل ولا يلتفت إلينا و يذهب مباشرة إلى السبورة ويكتب ما سوف يشرحه. لاحقا حينما حان وقت العروض التقديمية و صعوبتها علينا خصوصا أنها بلغة مختلفة عنا أخبرنا المعلم أندرو أننا يجب أن نبذل جهدا أفضل لتقديم عروضنا و أنه خجول (طبعا لم أكن أصدقه و بعبارة أكثر لطفا.. لم أقتنع بوصفه لنفسه!) ومع ذلك فها هو يقف أمامنا و يلقي الدروس لسنوات. طوال الفصل الدراسي كان يكرر هذا الادعاء حتى صدقناه! فقد أقنعنا أنه انطوائي و خجول وينتظر نهاية الحصة حتى يخرج من الفصل هاربا. أحيي فيه الصراحة و الشجاعة لإعتراف كهذا!
حينما دخلت مرحلة الماجستير لإدارة الأعمال في جامعة بنتلي وبدانا بعمل المشاريع في مجموعات عمل بدأت الخلافات تظهر في جميع المجموعات بشكل عميق و منها مجموعتنا (كنا أمريكي – إيطالي – روسية – ليبي – هندي و أنا سعودية). بدأ زميلنا الأمريكي بتحليل سبب عدم اتفاق المجموعة و هي أننا نختلف عنه و أنه شخصية انطوائية فعارضناه بأنه يجتمع معنا ويتكلم و يمزح ويشارك مع الأساتذة و أنه غير انطوائي لكنه عرف الانطوائي بأنه الشخص الذي يستقي قوته و إبداعه بجلوسه لوحده و انعزاله عن الناس بينما الشخص الاجتماعي هو من يستمد طاقته و ابتكاراته حينما يكون حول الناس و يفكر معهم. وهو هنا يطلب العمل لوحده وعدم إزعاجه. صدمني هذا التعريف بالطبع. لاحقا علمت عن كتاب هاديء ( مرفق الصورة) الذي كانت فكرته الأساسية عن تعريف الأشخاص الغير إجتماعيين (وهو تماما تعريف زميلنا الأمريكي) و قصص النجاح عنهم وكيف أن أفضل الناجحين منهم. لم أقرأ الكتاب وليس لدي خطة حاليه لذلك. لكن كثرة مراجعات الكتاب هي ماشرح لي فكرة الكتاب الأساسية. ما أود قوله هو أن تعريفاتنا القاسية قد لاتكون سليمة أو دقيقة وهذا الأمر يؤثر على الأشخاص المحيطين بنا من جهه و يؤثر بنا بشكل مباشر إن لم نكن نعرف أنفسنا جيدا من جهة أخرى. فحينما أُصنف بأنني إجتماعية مع الناس ولكن أحتاج إلى الخلوة مع نفسي بشكل مستمر لأستجمع شتات نفسي وأركز في عملي فإن هذا التصنيف لي يعتبر خاطئا. فأنا انطوائية بناء على نظرية هذا الكتاب خصوصا بعد عمل اختبار المؤلفة الخاص بتصنيف شخصيتي (جرب الاختبار).
عموما، لا يهمني أن أكون تحت أي تصنيف لكن يهمني أن أعرف الطريقة التي تناسبني في الإختلاط مع الناس و في العمل وسأدع الكتب تصنفني كما تريد!
اكتشفوا أنفسكم.. وكونوا بخير..